يبدو أن الفوز الانتخابي الذي حققه حزب «البديل من أجل ألمانيا» في مقاطعة تورينجيا يوم الأحد الماضي، وهو الأول لحزب يميني متشدد في انتخابات إقليمية ألمانية بعد الحرب العالمية الثانية، يشير إلى بلد أصبحت ثقته بنفسه في أدنى مستوياتها. لإبقاء الأحزاب الهامشية تحت السيطرة والبقاء شريكاً يمكن الاعتماد عليه للحلفاء الدوليين، تحتاج البلاد بشدة إلى إعادة اكتشاف سحرها الاقتصادي والسياسي.
وإذا لم يحدث ذلك، فقد تصبح ألمانيا المضطربة مشكلة لأوروبا والعالم. وعلى الرغم من فوز الجماعات الشعبوية من اليسار واليمين بأكثر من 60% من الأصوات في ولاية تورينجيا ونحو نصف الأصوات في ولاية ساكسونيا، استبعدت الأحزاب الأخرى الانضمام إلى الحكومات الإقليمية مع «حزب البديل لألمانيا»، مما يعني أنه من غير المرجح أن يكون قادراً على وضع سياساته موضع التنفيذ. ولكن إذا كانت استطلاعات الرأي الحالية دقيقة، فلن يكون أداء حزب «البديل لألمانيا» جيداً في الانتخابات الفيدرالية العام المقبل. وبدلاً من ذلك، من المتوقع أن يفوز الحزب «المسيحي الديمقراطي المحافظ» بنحو 30% من الأصوات في عام 2025 وبالتالي الحق في قيادة الحكومة الفيدرالية المقبلة.
ومن غير المرجح إجراء انتخابات مبكرة قبل ذلك التاريخ لأن الأعضاء الثلاثة في الائتلاف شهدوا ابتعاد أنصارهم عنهم. يعد هذا مطمئنا، ولكن إلى حد ما: فمن شأن جدار الحماية السياسي ضد «حزب البديل من أجل ألمانيا» أن يعزز شعور الناخبين بالتهميش والتجاهل. وفي الوقت نفسه، يقود المحافظون المعارضون الآن فريدريش ميرز، الذي تتسم آراؤه بشأن الهجرة بتشدد أكبر من آراء أنجيلا ميركل. (استبعد ميرز على الأقل التعاون مع حزب البديل من أجل ألمانيا، وكان من أشد المؤيدين لدعم أوكرانيا). في الوقت الحالي، يجد الألمان المتاعب في كل مكان، مما يجعلهم أكثر عرضة لإغراء «حزب البديل من أجل ألمانيا» وجماعة «بويندنيس سارا فاجنكنيخت»، وهي جماعة يسارية جديدة تعارض الهجرة وتريد إنهاء العقوبات ضد روسيا.
من ناحية أخرى، يشهد اقتصاد البلاد ركوداً منذ عامين، بينما بدأ التضخم للتو في التراجع. كما زادت جرائم العنف (ويُزعم أن معظمها ارتكبه مهاجرون)، وتضطر ألمانيا المسالمة بطبيعتها إلى دعم أوكرانيا ضد روسيا. وبدلاً من توفير الشعور بالطمأنينة، عززت الحكومة الائتلافية الألمانية التي تشهد مشاحنات مستمرة الانطباع بأن البلاد خرجت عن مسارها. وغالباً ما يكون التوفيق بين اتجاهات «الحزب الديمقراطي الحر» المناهض للاقتراض، والتزامات «الحزب الديمقراطي الاجتماعي» بالرعاية الاجتماعية، وحماسة «حزب الخضر» لإزالة الكربون، مهمةً محكوماً عليها بالفشل. الإحباط يتزايد بشكل خاص في الشرق الشيوعي السابق، حيث لم يترسخ الولاء للأحزاب الرئيسية منذ فترة طويلة، وانخفض متوسط الثروة، بينما يتقدم السكان في السن بسرعة بعد هجرة العديد من الشباب إلى الغرب الألماني الأكثر ازدهاراً. لقد أمضت ألمانيا عقداً من الزمان في السماح للاجئين من سوريا وأفغانستان بالدخول، ولكن الآن يعتقد جزء كبير من السكان أن هذه الإنسانية قد ذهبت إلى أبعد مما ينبغي. فقد أدى مقتل ثلاثة ألمان الشهر الماضي، على يد طالب لجوء سوري، إلى تعكير المزاج الوطني، حتى أصبح المعتدلين الآن أكثر تقييداً للهجرة. في غضون ذلك، يقدم المستشار أولاف شولتز دعماً ثابتاً لأوكرانيا، لكن المخاوف بشأن تكلفة تمويل دفاعها ودعم اللاجئين الأوكرانيين بدأت تتردد بين الناخبين. وستحقق ألمانيا هذا العام هدفها في حلف الناتو بإنفاق ما لا يقل عن 2% من الناتج الاقتصادي على الجيش لأول مرة منذ عقود. بعض مخاوف الألمان لها ما يبررها، وهي تنبع من الاعتماد غير الصحي على الخارج خلال فترة حكم ميركل الطويلة. الذي لم يتم التعامل معه بشكل كاف فقد أعطى الغاز الروسي الرخيص والطلب الصيني الشره على السيارات الألمانية والسلع الرأسمالية للبلاد شعوراً زائفاً بالأمن. وكان انخفاض الدين الوطني نتيجة جزئية للفشل في إصلاح البنية الأساسية المتهالكة. كما أنفقت الشركات الألمانية وقتاً طويلاً في العبث بمحركات الاحتراق التقليدية بدلاً من بناء صناعات المستقبل. ومن المتوقع أيضاً أن يعمل انكماش السكان في سن العمل على عرقلة إمكانات النمو في البلاد.
وهناك مخاوف أخرى مبالغ فيها أو مفروضة ذاتياً: على كل حال، أبلت ألمانيا بلاء حسنا في التعامل مع فقدان الغاز الروسي. وبينما أغلقت بعض الشركات كثيفة الاستهلاك للطاقة، ظلت الأضواء مضاءة في الغالب. كما تضمنت خطة اقتصادية مكونة من 49 نقطة كشف عنها الائتلاف في يوليو الماضي بعض الأفكار الجيدة لتعزيز الاستثمار وخفض البيروقراطية وتعزيز فرص العمل، بما في ذلك الحوافز المالية للعمل الإضافي والتقاعد في وقت لاحق.
ولكن كبح جماح الديون في ألمانيا يظل عائقاً أمام تمويل احتياجات البلاد على النحو اللائق ويجعل الصراعات الداخلية في الائتلاف الحاكم حول الموارد المالية المحدودة أمراً لا مفر منه.
ومن المؤسف أن الإجماع البرلماني بشأن هذا الموضوع يبدو بعيد المنال لأن تغيير الدستور يتطلب أغلبية برلمانية بثلثي الأصوات، وليس لدى المحافظين المعارضين أي حافز للمساعدة. لقد استفاد حلفاء ألمانيا الأوروبيون بشكل هائل من استعدادها لاستيعاب اللاجئين ودعمها المالي لأوكرانيا - فهي ثاني أكبر مقدم للمساعدات بعد الولايات المتحدة. كما تعد ألمانيا وجهة رئيسية للصادرات لمعظم الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. ولكن إذا لم يحقق الاقتصاد نمواً، فمن المؤكد أن المعارك حول كيفية توزيع الكعكة الاقتصادية ستزداد، مما يوفر العون للمتشددين على اليسار واليمين. ومن مصلحة الجميع أن تكون ألمانيا أقوى وأكثر ثقة.
*كاتب متخصص في الشؤون الأوروبية.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»